في بحر "الترندات": هل لا يزال شبابنا العربي يبحث عن قبطان؟

في بحر "الترندات": هل لا يزال شبابنا العربي يبحث عن قبطان؟

في بحر "الترندات": هل لا يزال شبابنا العربي يبحث عن قبطان؟

كتبت/ ريم الربيعي

   في عالم يموج بالتغيرات المتسارعة، تتلاطم فيه أمواج "الترندات"  يقف الشباب العربي اليوم عند مفترق طرق حاسم. سؤال يطرح نفسه بإلحاح، ليس فقط في المنتديات الثقافية، بل في صميم كل بيت عربي: هل ما زال شبابنا في حاجة إلى قدوة ونموذج يحتذى به، أم أن مفاهيم "المؤثر" و"المشهور" قد ألقت بظلالها على معنى القدوة الحقيقي؟

   الإجابة عن هذا السؤال تتطلب الغوص في أعماق الواقع الذي يعيشه جيل اليوم. فالشباب العربي يواجه تحديات لم يسبق لها مثيل؛ من أزمات الهوية في ظل عولمة تفرض ثقافتها، إلى ضغوط اقتصادية واجتماعية تلقي بعبئها الثقيل على كاهل طموحاتهم، مرورًا بفضاء إلكتروني مفتوح يقدم لهم كل يوم آلاف النماذج، الصالح منها والطالح.

فجوة تتسع وبحث عن مرساة
   خلق غياب القدوة الحقيقية فراغًا كبيرًا، وهو لا يبقى خاليًا، بل تملؤه شخصيات "السوشيال ميديا" التي غالبًا ما تقدم نجاحًا سطحيًا، قائمًا على المظهر والمادة، بعيدًا عن قيم العمل الجاد والمثابرة والأثر الإيجابي في المجتمع. والنتيجة جيل قد ينجرف نحو اللامبالاة، أو يتبنى قيمًا استهلاكية لا تعكس عمق هُويته وتاريخه.

   إن الحاجة إلى القدوة ليست ترفًا فكريًا، بل هي ضرورة نفسية واجتماعية. فالقدوة البوصلة التي توجه الشباب نحو تحقيق ذواتهم، وتلهمهم لتجاوز الصعاب، وتقدم لهم دليلًا حيًا على أن النجاح ليس وليد الصدفة، بل هو نتاج جهد وتضحية. النموذج الملهم يزرع في نفوسهم الأمل، ويحصنهم ضد اليأس والإحباط، ويربطهم بجذورهم وقيمهم الحضارية.

بين أصالة الماضي وإشراقات الحاضر
   عندما نتحدث عن القدوة، تذهب الأذهان تلقائيًا إلى شخصيات تاريخية ودينية عظيمة. ولا شك أن في سِيَر الأنبياء والعلماء والمفكرين والقادة الذين أناروا تاريخنا ما يكفي ليكون مصدر إلهام لأجيال قادمة. هؤلاء أساس هويتنا، وتجاربهم معين لا ينضب من الحكمة والقوة.

   ولكن، هل يجب أن نكتفي بذلك؟ بالطبع لا. فعالمنا العربي اليوم يزخر بنماذج معاصرة تستحق أن نسلط عليها الضوء. من الطبيب الذي يبتكر علاجًا جديدًا، ورائدة الأعمال التي تبني شركة من الصفر، إلى الفنان الذي يوصل رسالة أمته بفنه، والناشط الاجتماعي الذي يكرّس وقته لخدمة مجتمعه. هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون الذين يعيشون بيننا، ويواجهون نفس التحديات، ويتحدثون لغة العصر.

   إن الربط بين نماذج الماضي العظيمة ونماذج الحاضر المشرقة هو ما يخلق للشباب رؤية متكاملة. رؤية تهمس في أذن كل شاب وفتاة: "تاريخك عظيم، وحاضرك واعد، ومستقبلك بين يديك. وهناك من سار على هذا الدرب قبلك، وهناك من يسير عليه الآن بجانبك".

صناعة القدوة.. مسؤولية مشتركة
   في الختام، الإجابة هي نعم، وبقوة. فالشباب العربي اليوم، ربما أكثر من أي وقت مضى، في حاجة ماسة إلى قدوة حقيقية. قدوة لا تُفرض عليهم، بل يجدون في قصتها صدى لأحلامهم، وفي نجاحها دافعًا لطموحاتهم.

   لكن هذه الحاجة تضع على عاتقنا جميعًا مسؤولية كبيرة؛ مسؤولية الإعلام في تسليط الضوء على النماذج الإيجابية بدلاً من تلميع "الفقاعات" الفارغة، ومسؤولية المؤسسات التعليمية والثقافية في تقديم هذه النماذج للشباب بأسلوب شيق ومبتكر، ومسؤولية كل فرد ناجح وملهم في أن يشارك قصته ليكون منارة تضيء الدرب لمن بعده.

   البحث عن قبطان في هذا البحر الهائج ليس علامة ضعف، بل هو أسمى درجات الوعي والحكمة لدى جيل يرفض أن يترك أمواجه للصدفة، ويبحث عن وجهة حقيقية ترسو به إلى بر الأمان والإنجاز.