العمارة التراثية العدنية.. التحديات والفرص

العمارة التراثية العدنية.. التحديات والفرص

العمارة التراثية العدنية ... التحديات والفرص

كتبت/لطيفة الظفيري

 تُعد مدينة عدن أرشيف حيّ لحضارات معمارية وإنسانية متعددة، ومتحف مفتوح لفنون العمارة التي تمازجت فيها التأثيرات الإنجليزية، الهندية، الفارسية، والعثمانية. من بيوت كريتر ذات الشرفات الخشبية المزخرفة إلى الشيخ عثمان والشارع الخلفي للمعلا. تختزن المدينة في جدرانها ذاكرة قرون من التعايش والانفتاح.

 وقد شهدت المدينة فترات ازدهار عمراني تركت بصمات واضحة في معالمها التاريخية، مثل القلاع والأسوار والبوابات الموزعة على قمم جبالها، إلى جانب منظومة الصهاريج القديمة التي يعود تاريخها إلى أكثر من 15 قرنًا، والكنائس والمساجد القديمة، وهي شواهد على تقدم فن العمارة في المدينة.

وانطلقت النهضة العمرانية من التفاعل بين الموروث الحضاري والبيئة الطبيعية للمدينة، حيث تم استخدم مواد بناء محلية مستخلصة من الطبيعة البركانية المحيطة، مثل الأحجار البركانية (أنديزيت) التي عُرفت بصلابتها وقدرتها العالية على العزل الحراري والصوتي، فضلًا عن تقليل الرطوبة وتخفيف شدة الضوء داخل المنازل.

  النمط المعماري العدني

  تختلف العمارة العدنية عن نظيرتها اليمنية القديمة من حيث المواد والتصميم؛ فبينما تعتمد عدن على الحجر المحلي والتصاميم الرأسية المتراصة، تتميز العمارة اليمنية باستخدام الطين والجص، وبناء المرتفعات والقلاع لحماية السكان، مع تأثيرات حميرية وإسلامية عريقة.

في عدن، يُراعى المناخ الحار من خلال النوافذ الكبيرة والتهوية الطبيعية، بينما في المدن اليمنية الجبلية، يُراعى الأمن والطقس البارد ببناء الأبراج والقلاع ذات الجدران السميكة.

يوضّح المختص في التراث المعماري، معتز مبارك، أن ما يُعرف بـ"العمارة التقليدية" في عدن يختلف عن "العمارة القديمة" التي تعود لفترات ما قبل الإسلام، مثل عمارة ممالك سبأ وحمير. العمارة العدنية التقليدية هي نمط معماري استمر حتى وقت قريب ولا يزال حاضرًا في أحياء المدينة القديمة.

وبحسب المهندسة المعمارية، حنان فاروق نعمان، أن النمط المعماري العدني يعكس تاريخ المدينة كميناء عالمي استقطب تجارًا من مختلف الثقافات. هذا النمط يجمع بين التأثيرات العربية والهندية والأوروبية، ويعكس ثقافة سكان المدينة وتاريخها التجاري والحضاري.

مضيفه، أن العمارة في عدن تتميز باستخدام الحجر الشمساني ، البوميس ، والأخشاب المحلية، مع عناصر معمارية مثل الفامليت ، الملاقف ، و الشماسات التي تراعي المناخ الحار للمدينة. وتبرز الزخارف الخشبية والنوافذ المزخرفة كسمات فنية مميزة، كما يتم استخدم حجر الخفاف "البوميس" كمكون أساسي في تحضير الملاط التقليدي، لما يتميز به من خصائص إسمنتية متينة بفضل تركيبته الحمضية التي تشمل سيليكات الكالسيوم والألمنيوم، ويُضاف إليه الجير والرمل لتكوين مادة رابطة للبناء والتلييس، ما يعكس مستوى الإبداع في استخدام الموارد الطبيعية لتلبية المتطلبات الوظيفية والجمالية للعمارة.

 تحديات التراث المعماري العدني

تشهد مدينة عدن تغيرات معمارية متسارعة، حيث يتجه البعض إلى تصميمات حديثة تبتعد عن الموروث المعماري المحلي، ما أدى إلى بروز نمط عمراني يفتقر إلى الهوية والتقاليد، ويبتعد عن تلبية الحاجات المادية والروحية للسكان.

ويرى مختصون أن الجمع بين الحداثة والتقاليد أمرٌ ممكن، رغم الاعتقاد السائد بأن المجتمع لا يستطيع أن يكون تقليديًا وحديثًا في آنٍ واحد. غير أن التجارب المعاصرة تؤكد أن القيم التقليدية القوية قادرة على الاستمرار والتعايش داخل المجتمعات الحديثة، لا سيما في الدول النامية.

ويبرز في المدينة ما يتم وصفه بـ"الهجين الثقافي والبصري"، الذي يمزج بين العمارة التراثية والمعاصرة، في ظل تاريخ طويل من التنوع الثقافي والاجتماعي والديني والفكري، والذي كان له دورٌ فاعل في تشكيل المسار الثقافي والسياسي والفكري اليمني عبر العصور.

 أظهرت المسوحات الميدانية التي أجرتها اليونسكو أن أكثر من 95% من المواقع التراثية في المدينة قد تعرضت لأضرار بالغة بسبب الحرب.

 ووفقاً لمدير مركز تراث عدن ورئيس ملتقى الحفاظ على المعالم الأثرية والتاريخية، وديع أمان، فإن أبرز التغييرات التي طرأت على المباني القديمة في كريتر تشمل تآكل مواد البناء الأصلية، وتأثيرات الزمن على الأسقف والواجهات، إضافة إلى استحداثات غير مدروسة أفقدت المباني قيمتها التاريخية.

ويضيف أن الترميمات العشوائية التي نُفذت دون إشراف هندسي متخصص، أفقدت العديد من المباني أصالتها، وأثرت سلبًا على قيمتها الأثرية، ما يُعد انتهاكًا صارخًا لهوية المدينة المعمارية.

على صعيد متّصل، يتحدث معتز مبارك أن أبرز التحديات التي تواجه العمارة التقليدية في عدن الإهمال والهدم العشوائي غياب التشريعات الفاعلة أدى إلى إزالة العديد من العناصر المعمارية، مثل "تاج المنزل". الترميمات غير المدروسة تدخلات السكان دون إشراف هندسي شوهت الهوية البصرية للمدينة.الحداثة غير المنضبطة مثل تركيب أجهزة التكييف والطاقة الشمسية بطريقة تؤثر على الشكل العام للمباني.

فرص الحفاظ على التراث المعماري العدني

  يشير أمان إلى وجود مشروع ترميم ممول من الاتحاد الأوروبي عبر مكتب اليونسكو في قطر ، ينفذه صندوق التنمية الاجتماعية بعدن ، ويشرف عليه هيئة المدن التاريخية بالتنسيق مع السلطة المحلية. ورغم ترميم عدد من المباني، إلا أن المعايير المعتمدة في اختيارها أثارت اعتراضات، إذ حُرمت العديد من المباني الأثرية من الاستفادة من المشروع.

 فيما يشدد معتز مبارك على ضرورة وجود جهات مختصة توجه السكان في كيفية الحفاظ على المباني التقليدية، مع أهمية إصدار قوانين وتشريعات تحمي هذا الإرث. كما يدعو إلى إشراك المجتمع المحلي في جهود الترميم والتوثيق، وعدم الاكتفاء بقرارات الجهات الرسمية دون استشارة المختصين.

ختاماً، يدعو أمان إلى ضرورة إشراك المجتمع المدني في جهود الحفاظ، منتقدًا تجاهل الجهات الدولية مثل اليونسكو لدور المنظمات المحلية. ويضيف، أن المعركة لحماية تراث عدن ما زالت مستمرة، وأن الحفاظ على هوية المدينة يتطلب تكاتفًا حقيقيًا بين الجهات الرسمية المحلية، المجتمعية، والدولية.