المرأة وصنع السلام في اليمن

كتبت/ أمل السبلاني
تَتَفاوت نسبة مشاركة المرأة في الحياة السياسية من دولة إلى أخرى، حسب منظومة القوانين، والقيم، والأفكار التي تحكم مجتمعها. ورغم ما شهدته الفترة الأخيرة من اِزدياد دعوات تمكين المرأة، وإتاحة الفرصة لها للمشاركة السياسية، إلا أنها مازالت حتى اليوم تواجه في سبيل تحقيق ذلك العديد من التحديات سواء من ناحية القبول المجتمعي، أو من ناحية الانفتاح الحزبي.
قدمت المرأة (صانِعة السلام) في اليمن دورًا مركزيًا منذ بداية الصراع عام 2014م وحتى اليوم، حيث قامت بدور الوسيط والمفاوض في العديد من القضايا، منها إطلاق سراح ضحايا الإختفاء القسري، والمطالبة بفتح الممرات الآمنة، ومكافحة تجنيد الأطفال. إلا أنه تم تقليص دورها ومشاركتها في مفاوضات السلام، وعدم اعتبارها من متطلباته الأساسية، رغم أنها تُعد مفتاحه "المفقود"، إلى جانب القوة الناعمة Soft Power.
ويرجع عدم تمكين المرأة في المشاركة السياسية وفي عمليّة بناء السلام إلى مجموعة من التحديات، أهمها تركّز الاهتِمام الدولي بالمفاوضات الرسمية بين أطراف الصراع، وإهمال أصوات وجهود النساء، وعدم حصولهن على أصوات متساوية مع الرجل، وعدم التحرك الملموس لتحسين آليات إشراكهن في عمليات السلام المستقبلية التي تقوم على نظام المحاصصة؛ إذ تُخصّص عددًا محددًا من المقاعد على طاولة المفاوضات للأطراف المتحاربة والأحزاب السياسية، التي تقوم عادة بترشيح رجال كممثلين عنها، حتى أن الدولة ترى أن التدخل في ترشيح الأحزاب السياسية لممثليها يعد خارج نطاق صلاحياتها.
كما أن النساء يفتقدن لثقة مجتمعهن المحلي، وتتعرض الناشطات وصانعات السلام للتهديدات الأمنية المختلفة، والإعتقال التعسفي، والتعذيب، والاعتداء الجنسي والإغتصاب، وحملات التشهير، وكل ذلك في ظل غياب أو ضعف آليات وبرامج الحماية والمراقبة والإبلاغ التي تضمن سلامتهن. ويُضاف إلى ذلك تشرذم مؤسسات الدولة وأجهزتها وانقسامها بين أطراف النزاع، بما فيها تلك المتعلقة بأجندة المرأة والسلام والأمن مثل اللجنة الوطنية للمرأة.
تُعد الخصوصية الاجتماعية والثقافية لليمن، وبشكل خاص في مجتمعاتها القبلية، من أبرز العوامل التي تحد من مشاركة المرأة، حيث غالبًا ما حُصرت أدوارها في العمل المنزلي وتربية الأطفال، أو بممارسة بعض الأعمال في مجالي التعليم والتمريض خارج المنزل. كما أثرت عوامل أخرى في مشاركة المرأة بعملية بناء السلام، قد لا تكون مباشرة، لكنها لا تقل أهمية عما سبق، مثل زيادة معدلات العنف ضد المرأة طيلة فترة الحرب، وحرمانها من الخدمات الصحية، وانتشار الأمراض والأوبئة، وعزوفها عن التعليم إما بسبب الحرب أو الظروف الاقتصادية الصعبة التي خلفتها.
وجود مثل هذه التحديات لم يكن كفيلاً بحلها القرار الأممي (1325) الذي حَثت بنوده على تحرك كل من الأمم المتحدة، والحكومات، وأطراف النزاع على إشراك النساء في كل مراحل صنع السلام، وحمايتهن من تبعات النزاعات المسلحة. إلا أن تنفيذ هذا القرار كان سيساهم كثيرًا في التمهيد لتقديم المرأة للمجتمع كـ"صانِعة سلام"، ولا يرجع سبب محدودية مساهمة هذا القرار إلى الصعوبات والتحديات المجتمعية وتجذرها فقط، إنما أيضًا لعدم تناغمه مع النصوص التمييزية في التشريعات الوطنية، وغياب الوعي بأهمية تطبيق القرار والدراية الكافية به.
وانطلاقًا من ذلك يجب أن تقوم الدولة بإجراءات لتمكين المرأة على قدم المساواة بالرجل، وحظر أي تمييز بينهما، وتبني سياسات لمواجهة المعوقات الاجتماعية والثقافية التي تعترض مشاركتها الكاملة في الحياة السياسية. ومن أهم تلك الإجراءات دعم التعليم العالي للمرأة، حيث يساهم في تقويض تلك المعوقات وتوسيع أدوار النساء في المجتمع.
كما يتعين على المجتمع الدولي ممارسة المزيد من الضغط على جميع الأطراف اليمنية نحو مشاركة فعالة للنساء في تحقيق وصنع السلام، وإجراء تقييم لأنشطة المنظمات العاملة في مجال بناء السلام، لجعلها أكثر فعالية، وضمان الحصول على تمويل مستدام ومرن وطويل الأجل لوضع برامج لحماية صانعات السلام ودعم عملية إعادة توطينهن في بلدان آمنة، مع وجوب إعطاء اللاجئات اليمنيات الأولوية.
ورغم التحديات التي واجهت مشاركة النساء في عملية بناء السلام في اليمن، إلا أن مساعيهن المستمرة خلال فترة الحرب جعلت منهن صانعات للسلام بجدارة، وإن لم ينجحن في الحصول على مقاعد في طاولة المفاوضات. فقد قدمن العديد من الشبكات، والتحالفات، والمبادرات التي قامت بدور مهم في بناء التضامن، والتخفيف من المخاطر التي تتعرض لها النساء، لا سيما الناشطات، إضافة إلى تعزيز أعمال الإغاثة ودعم المجتمعات المحلية.