كيف نرصد خطاب الكراهية ونتصدى له؟
منصة نون وشين
يُشكل خطاب الكراهية تهديدًا كبيرًا على مجتمعاتنا، فهو يزرع بذور التوتر والصراع بين أفراد المجتمع الواحد، وهذا بلا شك يهدد الاستقرار والسلام والتنمية والتماسك الاجتماعي الذي نتطلع إليه جميعًا. وعلى المستوى الشخصي، يصاب ضحايا خطاب الكراهية بأمراض نفسية عديدة، مثل الاكتئاب والقلق والخوف.
وما هو أخطر من ذلك، هو أن هذا الخطاب قد يكون بوابة للتطرف والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الجرائم الوحشية. وأوضح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن خطاب الكراهية كان مقدمة لمآسٍ فظيعة حصلت في بعض المناطق، فيما اعتبر الباحث ستانتون أن الإبادة الجماعية نتيجة لعملية تبدأ بتصنيف الناس وتجريدهم من إنسانيتهم عبر دعاية "الكراهية".
يشير مصطلح "خطاب الكراهية" إلى أي شكل من أشكال التعبير التي تحرض على العداوة أو التمييز أو العنف ضد فرد أو مجموعة بسبب عوامل مثل العرق أو الدين أو الأصل أو غيرها. ولا يقتصر خطاب الكراهية على التصريحات اللفظية العامة فحسب، بل يمكن التعبير عنه أيضًا بأشكال أخرى مثل الصور والأفلام والرسوم المتحركة وغيرها.
هناك خط رفيع بين ما يمكن اعتباره خطابًا مسيئًا أو متطرفًا وبين ما يصل إلى مستوى التحريض على الكراهية. على سبيل المثال، تعليق سياسي ناقد أو مقال صحفي يحتوي على وجهات نظر محافظة أو متطرفة قد لا يصل بالضرورة إلى مستوى خطاب الكراهية، ما لم تتضمن الدعوة صراحةً إلى العنف أو التمييز ضد مجموعة معينة. في المقابل، تصريحات تشبه المهاجرين بالحيوانات، أو تحرض بوضوح على استهداف مجموعة عرقية أو دينية، تُعد أمثلة واضحة على خطاب الكراهية.
مراقبة خطاب الكراهية مهمة صعبة، خاصة على الإنترنت، لكنها ليست مستحيلة. يجب أولاً تحديد الهدف بوضوح، سواء كان تحليل الاتجاهات، أو تقديم معلومات للمناصرة، أو إعداد برامج مضادة، أو إزالة المحتوى المسيئ. بعد ذلك، يتم تحديد المصادر التي ستتم مراقبتها، سواء كانت تصريحات السياسيين والقادة الدينيين، أو نشاط المؤثرين على وسائل الإعلام، أو حتى الأفراد العاديين، مع الأخذ في الاعتبار الصحف والتلفزيون والمنصات الرقمية. ثم يُوضع منهج واضح لتحقيق الهدف، وقد يشمل ذلك تحليل البيانات أو المحتوى، أو إزالة المحتوى المسيء.
وتوصي الأمم المتحدة بأن تشمل عملية رصد خطاب الكراهية دراسة من هم الأشخاص والمؤسسات الرئيسة المشاركة، وكيفية نشر المعلومات، والكلمات الشائعة المستخدمة، والمخاطر المرتبطة بها. كما يجب تدريب الموظفين على المراقبة، وتزويدهم بالمعرفة الأساسية حول المفاهيم والتعريفات، والأمور الواجب الانتباه لها أثناء الرصد.
ويجب إجراء تحليل شامل يأخذ في الاعتبار الديناميكيات الاجتماعية والجندرية التي قد تؤثر على عملية الرصد. بعد ذلك، يمكن استخدام بيانات الرصد لتحديد الأولويات والدعوة إلى التغيير. من المهم أيضًا فهم دوافع نشر خطاب الكراهية وأسباب انتشاره، والرد عليه باستخدام مزيج من الخطاب المضاد والإيجابي، وتعزيز الحوار المدني، ومعالجة الأسباب الجذرية له، بالتعاون مع شركاء رئيسيين مثل شركات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والمجتمع المدني والقادة الدينيين والمؤسسات المتعددة الأطراف.
بالنسبة للأدوات الفردية، هناك طرق بسيطة ويدوية لرصد خطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل متابعة هاشتاجات محددة تستخدم للترويج له، أو متابعة الحسابات والقنوات النشطة في نشر المحتوى المتطرف. كما يمكن التدقيق في تعليقات المستخدمين حول المواضيع المثيرة للجدل، فقد تكشف هذه التعليقات عن اتجاهات خطيرة تجاه بعض الفئات، بالإضافة إلى متابعة الفيديوهات ذات المحتوى المشكوك فيه لرصد اللغة والمصطلحات المستخدمة في خطاب الكراهية.
وهناك حلول رقمية متطورة تسهل عملية رصد وتحليل خطاب الكراهية على نطاق واسع، عبر تطبيقات وبرامج مصممة خصيصًا لذلك، مثل:
- TAGS v6: برنامج يسمح بإنشاء بحث تلقائي على تويتر، يجمع معلومات عن كلمات وعبارات محددة وينظمها في جدول بيانات، ويقدم معلومات عن الحساب والتغريدة والوقت والمشاركة، وأحيانًا الرابط والموقع والترجمة.
- CrowdTangle: برنامج يحتوي على لوحة معلومات وتطبيق Chrome، يعملان معًا للبحث في قاعدة بيانات البرنامج عن أي محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي عبر وضع رابط محدد، ما يساعد في تحديد الصفحات أو الحسابات التي شاركت هذا المحتوى.
- Factmata: تقنية تستخدم الذكاء الاصطناعي والخوارزميات والمعرفة المتخصصة للتعامل مع خطاب الكراهية والأخبار المزيفة، من خلال نظام لتسجيل المحتوى على الويب، مما يعزز جودة ومصداقية المحتوى المنشور عبر وسائل الإعلام التقليدية.