العنف الاجتماعي ضد المرأة في اليمن 

العنف الاجتماعي ضد المرأة في اليمن 

كتبت/ أمل السبلاني

   يُعرف العنف ضدّ المرأة على أنه أي فعل عنيف دافعه عصبية الجنس، ويترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة من الناحية الجسدية، أو الجنسية، أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل، أو القسر، أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة، مخلفةً آثارًا خطيرة في حياة الفرد والأسرة والمجتمع.

   ويُعد العنّف ضدّ المرأة أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا في دول العالم، ومنها اليمن التي لنا أن نؤكد أنه يأتي في مقدمتها، لانتشار الجهل والتخلف فيه، وتدني المستوى الثقافي لمعظم أفراده، الذين تحكمهم أعراف وتقاليد ترى أن سيطرة الرجل وهيمنته ما هي إلا "رجولة"، وأن صوت المرأة "عورة"... بلد تنص تشريعاته القانونية أن حق المرأة في الحياة يساوي نصف حق الرجل!

   تتعرض أغلب النساء في اليمن إلى العنف الاِجتماعي المستمر، وبمختلف أشكاله وأساليبه، فإلى جانب العنف الأسري (اللفظي، والبدني)، تواجه أيضًا الإكراه أو المنع على الزواج، والإكراه على العمل، والإكراه على ترك التعليم، فضلًا عن التقليل من شأنها وتقييد حريتها. كما تتعرض للعنف الجنسي (التحرش، والإغتصاب)، والعنف الإلكتروني مثل (التحرش، والتشهير، والاِبتزاز)، بالإضافة إلى التهديدات والاِنْتهاكات والاِعتقالات غير القانونية، عند مشاركتها في الحياة السياسية.

   ولتأكيد ذلك، نطرح هنا بعضًا مما أشار إليه التقرير الصادر عن مؤسسة "أكون" للحقوق والحريات حول (العنف ضد المرأة في مدينة عدن)، وكان كالتالي: تتعرض النساء للعنف والضرب الأسري بنسبة 90%، وللإغتصاب - خلال فترة الحرب وفترة ما قبل الحرب - ما يقارب 50%، وبلغت نسبة قضايا الطلاق والنفقة 80%، والتحرش والإنتهاك والتمييز بين المرأة والرجل في مرافق العمل 70%، والانتهاك من الأهل بالحرمان من التعليم، وعدم ترك الحرية لها للاختيار في حياتها سواء على الصعيد العملي أو الأسري بنسبة 60%.

   أدى تصاعد النزاع في اليمن وما تبعه من تداعيات - تزعزع اقتصادي، وانفلات أمني حاد، وانهيار مؤسسات الدولة - إلى إضعاف مكانة النساء في المجتمع اليمني، وزيادة تعرضهن للعنف وسوء المعاملة، حيث ارتفعت معدلات العنف ضد المرأة منذ 2015 بنسبة 63%.

   وإلى جانب الحرب وتداعياتها يمكننا أيضًا إجمال أهم أسباب تزايد نسبة حالات العنف ضد المرأة، إذ إن بقاء مئات من حالات العنف ضدّ الفتيات والنساء في اليمن طيّ الكتمان - خاصة في المجتمعات الريفية وفي الأوساط غير المتعلمة - ورغبة الكثيرات في تسوية مشاكلهنّ بعيدًا عن المنظمات المحلية أو الدولية، جعلت من الصعب معرفة حجم المشكلة الحقيقي.

   ويضاف إلى ذلك عدم إدخال تعديلات على التشريعات القانونية، والتي عززت من التمييز وعدم المساواة بين المرأة والرجل أمام القانون، إلى جانب التآكل شبه التام في آليات الحماية الخاصة بهن، وغياب الدعم (النفسي والاِجتماعي، والنقدي) الطارئ. وقد نتج عن ضعف تمويل برامج حماية المرأة إغلاق 12 مساحة آمنة للفتيات والنساء اللاتي يتعرضن للعنف القائم على النوع الاجتماعي في عام 2020، وحتى أكتوبر 2021 لم تتلق الأمم المتحدة سوى 54% من مبلغ 27 مليون دولار أميركي مطلوب لتنفيذ برامج حماية المرأة بموجب خطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2021. ونتيجة لذلك، هناك نحو 6.1 ملايين فتاة وامرأة يمنية اليوم في حاجة ماسة إلى خدمات الحماية، ومن بينهن النازحات اللواتي يفتقرن إلى الخصوصية والسلامة.

   كما أن قلة دعم المؤسسات والمنظمات النسائية ومحدودية اختصاصاتها، سواء بسبب الإملاءات والقيود السياسية، أو ضعف إمكانياتها، أو لعدم وصول الإبلاغات إليها من المعنفات، جعلتها أمام خيارين في التعامل مع قضايا المرأة؛ إما إخلاء المسؤولية من بعضها، مثل زواج القاصرات والعنف الإلكتروني، أو التعامل الشكلي والسطحي معها، مثل قضايا الخلع والتعنيف الأسري.

   وما يؤكد ذلك هو مقابلة أجريناها مع إحدى المستفيدات أو اللاجئات لاتحاد نساء اليمن - التي رفضت الإفصاح عن هُويتها - والتي تعاني تعنيفًا مستمرًا من زوجها بمختلف أشكاله (لفظي، بدني)، وذلك رغم جميع التضحيات والتنازلات التي قدمتها في سبيل الحفاظ على الزواج واستمراريته... تقول "عندما طرحت مشكلتي لأحد مسؤولي الشؤون القانونية في الاتحاد، وأخبرته بما أتعرض له من أذى نفسي وجسدي، أخبرني أنه لا بأس أن أمنح زوجي فرصة أخرى، وأنّه يجدر بي الصبر والتحمل"، وتكمل "صعقني رده، والتزمت الصمت، وغادرت مقر الاتحاد باحثة عن ملجأ آخر أستعين به".

   ورغم صحة المبررات التي تستند إليها تلك المؤسسات في تحديد اختصاصاتها وحدود إمكانياتها الحالية، إلا أن ذلك لا يعفيها من واجبها، باعتبارها جهات وضعت وتأسست من أجل تلك القضايا. فإلى جانب دعم مشاريع تمكين المرأة اقتصاديًا - وهي المهام التي تضطلع بها حاضرًا - يمكنها أيضًا أن تضع حلولًا بديلة، وإن كان الوصول إلى نتائجها طويل الأجل، ووفق إمكانياتها المتاحة.

   من تلك الحلول توعية النشء من خلال تعزيز وزيادة طرح مواضيع النوع الاجتماعي والاحترام وحقوق الإنسان في المدارس والجامعات وغيرها. كما يمكنها المساهمة في نشر التوعية الإلكترونية في مجتمعات النازحين والأرياف، لتقديم إرشادات الحماية للناجيات من العنف ضدّ المرأة في كلّ أنحاء اليمن، خاصة أن الأمية حدّت من انتشار هذا النوع من الحماية، الذي أطلقته الأمم المتحدة في 2020.

   كذلك ينبغي تفعيل الخط الساخن وجميع وسائل دعم المرأة المعنفة، وتوجيه وتوحيد الحركات النسوية، التي تُعتبر حتى اليوم مؤقتة ومجزأة "ذات أولويات مختلفة"، مثل كفاح المرأة ضد انتهاكات حقوق الإنسان، وتركيز نصيرات المرأة على محاربة التركيبات القبلية الأبوية التي انتهجت سياسة التمييز ضد النساء.

   ويُضاف إلى ذلك ضرورة تقديم الأبحاث، والدراسات، والإحصائيات التي من شأنها أن تفيد المنظمات الدولية، والمطالبة بتعديل بعض ثغرات التشريعات القانونية، فضلًا عن التضامن مع جهود المنظمات الدولية في توفير الخدمات الأساسية للناجيات من العنف الاجتماعي، مثل الملاجئ، والمساعدات (القانونية، والطبية، والنفسية).